top of page

الحركة الدادائية في الفن

 

مع بداية القرن العشرين ودوي أصوات الحرب العالمية الأولى في أوروبا، كانت مشاهد الدمار تلقي بعواقبها على الحياة، فقد خلفّت الحرب الكثير من الفوضى والمعاناة، وسلبت أرواح الكثيرين من البشر. وتزامنًا مع تلك الحقبة الزمنية الصاخبة بالأحداث السياسية، كانت التطورات التقنية تزداد وتتطور لتغير من شكل الحياة البسيطة؛ ما أدى إلى ظهور حِراكاتٍ فكرية وثقافية واجتماعية دفعت الكثيرين للبحث عن التغيير وابتكار أساليبٍ جديدة للعيش، فبرزت الدادائية لتكون حركة فنية لافتة تسخر من الدمار الذي خلفته الحرب، وانتهت بعدها بأعوام قليلة، إلا أن تأثيرها أحدث نقلة فريدة في شكل الفن ومفهومه، وساهم في تطوير مفهوم الفن الحديث.

 

في العام ١٩١٦ انطلقت الدادائية من مدينة زيورخ السويسرية على يد المفكر الألماني هوغو بال وغيره من الفنانين الذين رغبوا في الثورة على الحرب، والتعبير عن غضبهم باستخدام الفن. كانوا يجتمعون تحت سقف ملهى فولتير الذي كان وُجهة لقاء المثقفين والفنانين والرسامين والممثلين ومحبي المسرح بعيدًا عن ضوضاء السياسية ومأساة الحرب، للتعبير بفنونهم واهتماماتهم بطريقة ساخرة تحولت لاحقًا لأسلوب فني جديد وقع أثره  على مختلف الفنون والمسرح والموسيقى والشعر والكتابة، وأطلقوا عليه مسمى الدادائية اقتباسًا من كلمة دادا التي تشير إلى أول كلمة ينطق بها الطفل عند الكلام.

 


ونتيجةً لذلك ظهرت أنماطًا مختلفة في الكتابات الأدبية والشعر والرواية، وأُديت رقصات صاخبة يجتمع فيها جموع الناس للرقص بصخب على موسيقى رنانة ومقطوعات سريعة، وتلوّن المسرح بأزياء غريبة وألوان فاقعة تعبر عن الفن بعبث وسخرية صادمة؛ للتعبير عن العبثية أمام معنى الحياة التي سُلبتها الحرب. كان ثوار الدادائية يعتمدون على تفعيل كل ما يتناقض مع الفن ليصبح فنًا، فأعلنوا محاربتهم للفن بالفن عبر جمع مخلفات الفن أو العلب الزجاجية أو فضلات الطعام أو الأدوات المنزلية لتصبح عنصرًا فنيًا بذاته. فاعتمدوا في حركتهم  الدادائية على عدة أساليب استخدموا فيها فن الكولاج بإعادة جمع القصاصات الورقية ولصقها مرة أخرى في إطارٍ فني جديد، أو فن الفوتومونتاج من خلال إعادة الصور المصورة من وسائل الإعلام ودمجها مع بعضها مرة أخرى، أو تجميع القطع لصناعة شكل جديد يعبر عن العبثية، وتحويل الأشياء العادية والأدوات لفكرة فنية كما حدث مع عمل الينبوع للفنان دوشام الذي وقّع اسمه على مبولة وعرضها لاحقًا لتعبّر عن عملٍ فني.



لقد هدفت الدادائية وروادها لمحاربة الفن ومعنى الجمال باستخدام صورة جديدة للفن تختلف عن النمط التقليدي الذي يتمحور حوله مفهوم الجمال والفن الكلاسيكي وتصوير جماليات الأشياء. مع ذلك لم تكتفي الدادائية بالتأثير على مجال الفن وحده؛ بل طالت لتساهم في تغيير أفكار المثقفين والمفكرين، وتطبع تأثيرها بوضوح على الأجيال الناشئة في ذلك الوقت. تأثرت حينها اهتمامات الشباب بالحركة الدادائية وتزامنها مع نشأة الفنون البصرية، وظهور أدب الحرب في الرواية والكتابات الأدبية وانتشار موسيقى الجاز في ميادين أوروبا. فبرزت  أنماط شعرٍ دادائية وكتاباته امتازت بخلوها من المعنى تعبيرًا عن الفوَضى مثل قصيدة هوغو بال التي بدأت بكلمات مبهمة تخلو من المعنى


في بادئ ظهور الدادائية اختلفت وجهات النظر عن نسب الدادائية للفن، واعتُبرت عبثيتها إهانة للفن ومفهومه، فوصفها النقاد بأنها حركة متطرفة في الفن تعمل على تشويه الذائقة الفنية، وفن اللافن، إلا أن بعض روادها وجدوا أنها وسيلة للثورة على الحرب، ونقد ما تفرضه الحداثة والتطور التقني خلال تلك الحقبة الزمنية. عند النظر للجوانب المشرقة لهذه الثورة الفنية، نجد أنها غيّرت من مفهوم الفن كثيرًا، فلم يعد يتمحور حول فلسفة الجمال التي كان يحتويها معنى الفن. لقد خلقت الدادائية مفهومًا جديدًا للفن يمكّن الفرد من التعبير عن ذاته ومنظوره الخاص بلمساته الخاصة، ومهدت الطريق لاحقًا لحركة فنية جديدة أخرى في القرن العشرين كانت حركة الفن السيريالي أو السيريالية، التي ظهرت للهروب من العالم الذي سعت الدادائية لإصلاحه.


 

 

 المراجع:


2. مجلة منشور، «الدادائية»: الحركة الفنية التي تمردت على المنطق والمعنى. https://manshoor.com/arts-and-culture/hugo-ball-dadaism-art-movement/

 

4. موقع تيت، الفنون والأعمال الفنية.  https://www.tate.org.uk/art/artworks/hausmann-the-art-critic-t01918

5. نص القصيدة نقلًا من مقالة أنا والقراءة، صحيفة وجود، ٢٠١٥

 

 

١٣ مشاهدة٠ تعليق

أحدث منشورات

عرض الكل

Comentários


bottom of page