من المعروف عن الطاقة بأنها لاتخلق من العدم وليس من صفاتها الفناء ، وبلا شك كل تحسين في مستويات الطاقة سيساهم في تحسين جودة الحياة ، ولكن هل فكرنا في جلب الطاقة من الفضاء؟ أو بمايعرف بالطاقة الشمسية الفضائية؟
يتجه العالم في الآونة الأخيرة إلى التخلي عن #الوقود_الأحفوري كمصدر أساسي للطاقة؛ لأضراره التي لا حصر لها ولسد الطلب المتزايد للكهرباء عالمياً. بدائل الوقود الأحفوري كثيرة منها طاقة الرياح والطاقة الشمسية، لكن كل هذه المصادر محدودة ومكلفة ولا يمكن توفيرها إلا بتوفير شروط معينة مثل سرعة رياح عالية ومساحة شاسعة مقابل قدر ضئيل من الطاقة لا تكفي ليتم الاعتماد عليها بشكل أساسي.
يُفقد جزء كبير من الطاقة الشمسية (55-60٪) في طريقه عبر الغلاف الجوي للأرض بسبب تأثيرات الانعكاس والامتصاص. والذي يقلل من الكفاءة الطاقة الناتجة عند تجميعه على سطح الأرض واعتماده بشكل كبير على ظروف الطقس المناسبة وتقل كفاءتها في الأيام الغائمة وكذلك لا تنتج الطاقة خلال الليل وطوال أيام الأسبوع، وتأثره بالمواسم.
من هنا جاءت فكرة أن ننقل محطات تجميع الطاقة الشمسية خارج الأرض، للفضاء الخارجي، حيث الشمس مشرقة طوال الوقت وكل أيام الأسبوع، وتوفر الطاقة للجميع حتى في الأماكن التي لا يصل إليها ضوء الشمس مثل شمال أوروبا وروسيا
ولكن كيف يتم ذلك؟ وهل هو ممكن حقا؟
يتم إرسال قمر اصطناعي ليدور حول الأرض، وعلى سطحه خلايا تجميع الطاقة الشمسية من الشمس مباشرة، يتم تحويل هذه الطاقة إلى أشعة مايكروويف أو إلى أشعة ليزر، ومن ثم توجيه هذه الأشعة نحو الأرض، ليتم استقبالها في محطات تجميع خاصة
وتحويلها لطاقة كهربائية تزود المدن بطاقة لا تنضب ليلاً ونهاراً، والحصول على طاقة أكبر بثمانية أضعاف الطاقة التي يتم تجميعها من تلك الألواح شمسية على سطح الأرض.
وهذه الفكرة ليست وليدة هذا العصر، إنما تم طرحها أولا من قبل كاتب الخيال العلمي الشهير 'إسحاق اسيموف' في قصته القصيرة "Reason" قبل ثمانين عاماً، ليأتي بعده رائد هندسة الطيران والفضاء 'بيتر قليسور' ويطرح مقالة علمية تصف بشكل علمي حقيقي نظام توليد الطاقة الشمسية من الفضاء وينشرها في مجلة العلوم Science في عام 1971 وحصل على براءة الاختراع للنظام بعدها بسنتين ، عمل بعد ذلك على تطوير الفكرة بعد تعاقده مع ناسا ووزارة الطاقة الأمريكية، وعلى الرغم من نتائج أبحاثه الواعدة تم إيقاف دعم المشروع في نهاية المطاف
عاد الاهتمام بالطاقة الشمسية الفضائية مرة أخرى بعد نشر ناسا الورقة البحثية Fresh look عام 1997 التي توقعت تضاعف الطلب العالمي للطاقة بشكل كبير واقترحت أن الاستثمار في تطوير أنظمة الطاقة الشمسية الفضائية متطلب أساسي لسد الاحتياج الهائل للطاقة في المستقبل
توالت بعدها الجهود في مجال الأبحاث والتطوير من قبل ناسا والكثير من معاهد الأبحاث حول العالم لتحقيق هذا الخيال العلمي إلى واقع يحسن من حياتنا لدرجة كبيرة.
ولكن مازالت بعض التحديات تشكل عائقا نحو ذلك ومن
إحدى أهم المشاكل التي واجهت تطبيق هذا المفهوم على 'فضاء الواقع' هي تكاليف نقل أساسات هذه المحطة لمداراتها في الفضاء
لكن هذه المشكلة تم حلها تقريبا بسبب تطوير صواريخ يمكن إعادة استخدامها ومنخفضة التكلفة مثل التي تم تطويرها في سبيس إكس، أيضا من الصعب صنع ألواح شمسية كبيرة بما يكفي ليثبت في مداره حول الأرض.
لحل هذه المشكلة تم تطوير العديد من النماذج لمحطات الطاقة الشمسية في الفضاء أبرزها محطة الطاقة الشمسية الحرارية، والتي يتراوح عرض المحطة الواحدة منها مابين 5 إلى 17 كيلومتر (أكبر بكثير من محطة الفضاء الدولية والتي تعد أكبر مشروع تم بناءه على الفضاء من قبل البشر حتى الآن).
ولا يتم الاكتفاء بمحطة واحدة بسبب طبيعة الأرض حيث كل شيء حوله يجب أن يدور، وهذا قد يصعب مهمة توجيه الطاقة لمكان واحد محدد، لذا تحتم على المشروع هذا أن يكون عالمياً بطبيعته و لن يتم إلا بتعاون الكثير من الدول، وأن يتم بناء 3000 من هذه المحطات في الفضاء تحيط بالأرض في العديد من الزوايا
يتم بناؤهم واحداً تلو الآخر خلال بضعة سنوات، إذا اكتمل هذا المشروع سيتم توفير طاقة عالية الكفاءة يمكن نقلها بأقل تكلفة لكل بقعة على سطح الأرض فيديو للاستزاده هنا:
في العام 2011 تم وضع المعايير العالمية لتطوير وبناء محطات الطاقة الشمسية في الفضاء في مؤتمر صحفي والذي اقترح فيه تعاون حكومات العالم وشركات القطاع الخاص للاستفادة القصوى من إمكانات هذا المشروع العملاق
أحدث التطورات كانت في العام 2018 نجح معهد كالتيك Caltech في تطوير وحدات تجميع طاقة شمسية مصغرةخفيفة الوزن وتم اختبارها في بيئة مشابهة لبيئة الفضاء وحققت نتائج ممتازة في تجميع ونقل الطاقة، المزيد من التفاصيل في هذا الفيديو:
ولم يعد هذا المفهوم مجرد خيال علمي بعد الآن، قبل فترة وجيزة من هذا العام تم إرسال أول نموذج لتحويل الطاقة الشمسية من الفضاء وإرسالها على شكل أشعة للأرض ويجرى حالياً اختبارها، وبناءً على النتائج يتم بناء نظام كامل على مركبة فضائية مخصصة لاختبار نقل الطاقة إلى الأرض بشكل فعلي، باقي التفاصيل في هذا الفيديو:
على الرغم من التكاليف الباهظة لبناء هذه المحطات في الفضاء في البداية، إلا أن التقارير تشير أن الاستثمار في تطويرها في نهاية المطاف يؤدي إلى الحصول على كهرباء منخفض التكلفة على المدى الطويل (من 50 إلى 100 سنة القادمة) وإدرارها للأرباح بشكل مضاعف في المستقبل.
ويتوقع البروفيسور هاري اتواتر أحد أهم المساهمين في تطوير تقنيات مستقبل الطاقة الشمسية الفضائية بحديثه: "الطاقة الشمسية المجمعة في الفضاء تتدفق باستمرار على مدار اليوم ويمكن إرسالها على الفور إلى حيث هناك حاجة إليها
الفوائد المحتملة هائلة، ما يقرب من ربع البشرية ليس لديها طاقة كهربائية على الإطلاق، وبالتالي فهذه تقنية تمكينية يمكنها أن تشكل قفزة هائلة في تقنيات شبكة نقل الطاقة الكهربائية على الأرض، والتحول لاستخدام هذه الطاقة له نفس التأثير الذي كان لنظام الهاتف الخلوي على الاتصالات."
المراجع:
https://www.forbes.com/sites/scottsnowden/2019/03/12/solar-power-stations-in-space-could-supply-the-world-with-limitless-energy/#36c93e004386 https://singularityhub.com/2018/12/31/why-the-future-of-solar-power-is-from-space/
Commentaires