الجزري أول من اخترع الرجل الآلي وهو عالم ومهندس وكاتب تركي من القرن 12. بديع الزمان ولد أبو العز إسماعيل بن الرزاز الجزري عام 1136م في ديار بكر بتركيا. فقد ولد في زمن الاضطرابات السياسية؛ نتيجة الصراع المحلي على السلطة وعلى آثار الحروب الصليبية.
عمل الجزري في بلاط الأرتقيين في منطقة بلاد ما بين النهرين في الجزيرة، حيث أصبح كبير المهندسين. وعلى الرغم من اضطرابات الحروب الصليبية، والعلاقات المضطربة بين القوى الإسلامية، فقد أمضى بسلام في خدمة العديد من الملوك، فصمم لهم أكثر من 100 جهاز مبتكر.
كان أحد اختراعاته المعروفة هو أول قفل للصندوق مكون من أربعة أقراص والذي يتواجد منه حاليًا 5 صناديق فقط، واحد منها قد انشأوه وهو محتجز في مجموعات خليلي.
حيث رسم الجزري التصميم بكتابه بشكل دقيق فصممه كصندوق بأربعة أقراص قفل مركبة في زوايا الغطاء، كل منها يستخدم 16 حرفًا من أصل 28 حرف من الأبجدية العربية، وتُمثل الأرقام في نظام يُعرف بأرقام أبجد.
ومن أشهر أجهزته ايضاً ساعة مائية ضخمة يظهر فيها فيل يحمل راكبه وبرج مليء بالكائنات المختلفة التي تتحرك كل نصف ساعة والتي تمثل ثقافات مختلفة، مثل تنانين الصين وفيل الهند حيث قال " لقد صنعت هذا الجهاز حتى يعرف النائم من الأنبوب أن القارب قد غرق، وسوف يستيقظ من غفوته عند سماع الصوت"
يعتبر الغربيون ساعة الفيل تحفة من تحف الزمان ومن أبرع ما اخترع الإنسان ونسخة مبكرة لمفهوم التلاقي والتعدد الحضاري. صنعت نسخ عديدة من هذه الساعة الأسطورية، وتوجد نسخة فائقة الدقة في جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية (كاوست) بالسعودية، وأخرى معروضة في مجمع ابن بطوطة للتسوق في دبي بدولة الإمارات.
أما في مجال الإنسان الآلي، فقد صنع أول نسخة بدائية من الألعاب التي صنعت بصورة إنسان، وتعمل بوظيفة مبرمجة لها مسبقا. فقد صنع فرقة موسيقية تطفو على سطح الماء مؤلفة من شخصيات عدة كل واحدة منها تصدر صوت آلة موسيقية معينة، وقد صنع هذه الآلة خصيصا لتسلية ضيوف البلاط الملكي في ديار بكر.
يرى المؤرخون أن الجزري قد مهد الطريق لتطور صناعة الآلات ويبرز ذلك في نظريته "إن الحركة الدائرية يمكنها أن تولّد قوة دافعة إلى الأمام". وقد قاده ذلك لاختراع عمود الكرنك، فاستغل الأوروبيون اختراع الجزري بعد قرنين، إلى ان توصلوا إلى اختراع المحرك وبدأ عصر القطارات البخارية.
كما استخدم الجزري هذه التقنية في بناء مضخات مياه دافعة وساحبة، تمتعت بتقنية الحركة الذاتية من دون قوة دفع بشرية أو حيوانية. وبالاعتماد على ربع قرن من الإنتاج الهائل قد قام الجزري بتأليف ورسم 60 اختراعًا في كتابه الشهير "الجامع بين العلم والعمل النافع في صناعة الحيل"
والذي قد حوى مخططات دقيقة ورسوم توضيحية ملونة لإظهار كيف تتناسب جميع القطع مع بعضها. فقد نجت عدة نسخ غير مكتملة من عمله، بما في ذلك نسخة محفوظة في متحف اسطنبول، والتي تم تقديرها لتفاصيلها الفنية وجمالها. كما تتواجد عدد من المخطوطات لأعماله في أكسفورد وليدين وباريس ودبلن.
ايضًا تنعكس الطبيعة المتواضعة للجزري في لغة كتابه؛ فحينما قام مخترعون آخرون عن عمد بصياغة نثرهم بلغة غامضة ليقتصر على اقليه من الناس، بذل الجزري جهدًا لجعله في متناول القارئ العام؛ ليتمكن الناس من بناء بعض آلاته الأكثر عملية في ذلك الوقت.
كانت معظم ابتكاراته سابقة بقرون لإنجازات العلوم الأوروبية، فقد وثق تصميماته 300 عام قبل أن يحقق المهندسون الغربيون ذلك؛ إذ تم ذكر عمله عن الصمامات المخروطية - وهو عنصر أساسي في الهندسة الهيدروليكية - لأول مرة في أوروبا بعد أكثر من قرنين من قبل دافنشي والذي قد درس كتاب الجزري.
توفي عام 1206م، وهو العام الذي قدم فيه للسلطان كتابه، والذي أصبح متاحًا للرعاة الأثرياء الذين طلبوا الأعمال بناءً على تصميماته. وما زالت اختراعاته تلعب دورًا رئيسيًا في حياتنا، فقد ظلت الأنظمة المصممة على غرار أعماله قيد الاستخدام حتى الآونة الأخيرة.
اليوم، يُلهم اسم الجزري الرهبة بين مؤرخي العلوم. فقد وصف المهندس دونالد -بصفته أب الروبوتات- الجزري بأنه "ليوناردو دافنشي الشرق"، وهو لقب يعد تسمية خاطئة من نواح كثيرة؛ قد يكون من الأدق وصف ليوناردو بأنه "جزري الغرب".
المراجع:
Comments