سواء كنت جالسًا على كرسي مكتبك أو مستلقيًا على سريرك خذ بضع ثواني لتتأمل فيما حولك، هذا الجوال بيدك، الكتب والأقلام من حولك ووجبتك التي تناولتها بعد نهاية يوم طويل..انظر في جسدك وجميع الخلايا التي تكونه، كل هذه الاشياء ليست سوى مواد لبناتها الأساسية الذرات المكونة من بروتون،نیوترون والكترون..
والآن اجعل تلك الثواني دقائق ودعني أخبرك بأمور أكثر متعة..
في آواخر القرن التاسع عشر أبحر الفیزیائي آرثر شوستر في الخیال وبنى فيه عالمًا موازيًا لعالمنا، عالم یكاد یكون كعالمنا واقفًا أمام مرآة! ولكن الخيال وحده ليس كافي بشكل كامل، "ما يأكل عيش".
بعد الثورة الكمیة وظھور معادلة شرودنجر القائمة على المیكانیكا الكلاسیكیة وتحديدًا في عام ١٩٢٨ قدم بول دیراك معادلة لھا الشكل ذاته لمعادلة شرودنجر لكنه ارتكز فیھا على مبادئ النسبیة الخاصة.
الأمر الغریب والثوري الذي أوضحته هذة المعادلة أن قیمة الطاقة قد تكون موجبة أو سالبة. بمعنى آخر، جمیع الجسیمات التي نعرفھا لھا طاقة موجبة، على سبیل المثال الإلكترون جسيم له طاقة موجبة فقط ولكن حسب معادلة ديراك الطاقة قد تكون سالبة، وھذا یعني وجود جسیم مماثل للإلكترون مختلف الشحنة
سمي ھذا الجسیم فیما بعد بوزیترون. وبالمثل للإلكترون الجسیم الأساسي للمادة، یعد البوزیترون جسیم أساسي للمادة المضادة، إلا أنه كأي اكتشاف جدید سیقابل بالنقد ومطالبات بالأدلة.
أربع أعوام مرت وحملت بانتھائھا دلیل قدمه الفیزیائي كارل أندرسون والذي توصل إلیه أثناء رصد ودراسة الأشعة الكونیة، إذ لاحظ وجود جسیم له نفس كتلة الإلكترون ومقدار الشحنة ولكنه یسیر في اتجاه معاكس مما یعني شحنة معاكسة.
عند هذه النقطة صار بالإمكان التنبؤ بوجود جسيمات مضادة لكل سجيم معروف، وهذا يعني مادة مضادة وكون مضاد كما تخيل شوستر. وكأي شيء في الوجود المادة المضادة سلاح ذو حدين، أي لو اصطدم إلكترون ببوزيترون سيحدث انفجار يخلف كم هائل من الطابة، وهذا يوصلنا للسؤال الذي يقول لم لا نرى هذه الانفجارات؟ أليست المادة المضادة مثبتة الوجود!
كوننا وكل ما نراه حولنا مكون من المادة فأين اختفت المادة المضادة؟
ليست الإجابة التي تقول بنقص كبير في كمية المادة المضادة في الكون دقيقة مئة بالمئة، قد تكون صحيحة في الوقت الحالي ولكن بالعودة لحقبة الانفجار العظيم كانت الكميات من المادة المادة المضادة متقاربة جدًا، على سبيل المثال مقابل كل مليار جسيم منالمادة المضادة هناك مليار وواحد جسيم من المادة، وعند اصطدامهاببعض تتلاشى المليارين وتتحول إلى طاقة (فوتونات)
ولا يتبقى منها سوى جسيم مادة واحد، وهذا المقدار الضئيل هو الأساس في بناء كوننا!
إذن لم تفوقت المادة على المادة المضادة؟
ولم كان عليها أن تزيد بهذا المقدار الضئيل؟
حتى الآن لا توجد إجابات قطعية، ولكن في العام ١٩٦٧ قدم الفيزيائي أندريه ساخاروف شروطًا ثلاثة للكيفية التي تمت بها عملية التخليق الباريوني Baryogenesis مع ذلك لم يذكر السبب وراء وجود وفرة في المادة أمام غياب المادة المضادة.
(الباريونات هي الجسيمات الأساسية التي تتكون من ثلاث كواركات، مثل: البروتون والنيوترون).
أولًا: خرق عدد الباريون Baryon number violation
قانون الحفظ الذي تتمتع به الكميات الفيزيائية -مثل الطاقة والشحنة- عند حدوث أي تفاعل فيزيائي يطبق أيضًا على عدد الباريون، أي أنه عند تصادم بروتونين ببعضها يجب على عدد الكواركات أن يكون محفوظًا قبل وبعد الاصطدام، وهذه طبيعة الأمور في واقعنا.
لكن نظرية التوحيد العظمى GUT تتنبأ بجسيمات فائقة الثقل قد تؤدي تفاعلاتها مع النموذج القياسي إلى انتهاك رقم الباريون مما يتسبب في تحلل البروتون
ثانيًا: C and CP violation
C اقتران الشحنة: أي جسيم له جسيم مضاد معاكس له في الشحنة ، الكترون-بوزترون.
P التكافؤ: يمكن وصفه بأنه رؤية العمليات الفيزيائية من خلال مرآة أي معكوسة في المكان.
بمعنى آخر عند تطبيق التكافؤ على الكترون له سرعة v ويتحرك من اليمين إلى اليسار سينتهي به الأمر يتحرك من اليسار لليمين بسرعة -v
والآن لنأخذ بروتون تنطبق عليه قوانين الفيزياء المعتادة ونقوم بـ:
1. عكس الشحنة
2. النظر له من خلال مرآة
سنجد أننا حصلنا على صورة مرآتية لمضاد البروتون مما يعني أننا نملك البروتون ذاته وهذا ما يسمى بالتماثل CP
وهنا يقول ساخاروف بوجوب خرق التماثل CP لتتم عملية التخليق الباريوني.
الجدير بالذكر أنه تم رصد هذا الخرق تجريبيًا في تجربة"Evidence for the 2π decay of the K20 meson " للفيزيائيينڤال فيتش وجيمس كرونين.
ثالثًا: التفاعل خارج التوازن الحراري
إشعاع الخلفية الميكروني الناتج عن الانفجار العظيم نتج عن بيئة تتمتع بتوازن حراري، أي أن الفوتونات تتجمع وتتحول لمادة وضديدها أو تصطدم المادة بضديدها وتتحول لفوتونات وهي عملية مستمرة.
شدد ساخاروف على أهمية خرق هذا المبدأ لتخليق الباريونات وهذا ما حصل في كوننا إذ تم خرق هذا التوازن في أثناء توسع الكون.
ويبقى سؤال لماذا تفوقت المادة على المادة المضادة بلا إجابة ، ويبقى العلم يذكرنا بأن الإجابة على سؤال "لماذا؟" ليست بالسهولة ذاتها في إجابة "كيف؟"
المراجع:
شاردان، غ. (2009). المادة المضادة. (فريد الزاهي، مترجم). أبو ظبي، الامارات: مشروع كلمة. 13-17.
كولز، ب. (2001). علم الكونيات. (محمد خضر، مترجم). القاهرة، مصر: مؤسسة هنداوي. 75.
Fornal, B. (2014). Baryon Number Violation beyond the Standard Model. California Institute of Technolog,. California, USA.
Sciolla, G. (2006). The Mystery of CP Violation. MIT journal. 45-46
Riotto, A. Trodden, M. (1999). Recent Progress in Baryogenesis. Annual Review. 46.
Comentarios