top of page

خوارزمية ألفا فولد وحل معضلة طي البروتين!

البروتينات هي جزيئات حيوية كبيرة ومعقدة تؤدي العديد من الوظائف الضرورية لبنية وتنظيم خلايا وأنسجة الجسم في الكائنات الحية، وتشارك بشكل مباشر في العمليات الكيميائية الأساسية للحياة. ومن وظائف البروتينات المختلفة: تحفيز التفاعلات الأيضية، نقل واستقبال إشارات الخلايا، الاستجابات المناعية، الحفاظ على توازن السوائل والأحماض الخلوية، وإصلاح أنسجة الجسم وبنائها.


تتكون البروتينات من العديد من اللبنات المعروفة باسم الأحماض الأمينية، والتي ترتبط ببعضها البعض لتشكيل سلاسل طويلة، حيث تشابه في ترتيبها الخرزات مرتبة على خيط، وهناك 20 نوعًا مختلفًا من الأحماض الأمينية التي يمكن ربطها لصنع بروتين معين. تسلسل الأحماض الأمينية يحدد البنية الفريدة الثلاثية الأبعاد (3D structure) لكل بروتين ووظيفته المحدد، ويتم ترميز الأحماض الأمينية من خلال تسلسل ثلاث وحدات بناء من الحمض النووي، تسمى بالنيوكليوتيدات.


عملية ترجمة تسلسل الحمض النووي (codons) إلى بروتين يتكون من سلاسل أحماض أمينية، تتبعها عملية تسمى بطي البروتين ((Protein folding لتشكيل الهيكل الثلاثي الأبعاد للبروتين، وتشكيل هذا الهيكل ضروري ليقوم البروتين بوظيفته البيولوجية.


البروتينات تشكل الأساس لبنية الخلايا والتواصل بينها وكذلك لتنظيم كل العمليات الأيضية والحيوية، ولكن لفهم كيفية تحديد تسلسل الأحماض الأمينية للبنية ثلاثية الأبعاد مَثل تحدي كبير للعلماء، خصوصًا وإن لهذه الآلية أهمية في تصميم الأدوية وفهم مسببات العديد من الأمراض مثل الزهايمر.


تمر سلسلة الأحماض الأمينية بعدة خطوات من الطي قبل الوصول إلى الهيكل النهائي والتي تتم من خلال تكوين الروابط الهيدروجينية بين الأحماض في مناطق مختلفة، وتوضح الصورة أدناه كيفية تكوين هيكل الهيموجلوبين، وهو بروتين موجود في خلايا الدم الحمراء يقوم بنقل الأكسجين إلى أنسجة الجسم.


حاليًا، يتم تحديد بنية البروتين عن طريق تقنيات عديدة مثل تصوير البلورات بالأشعة السينية ومطياف الرنين المغناطيسي النووي (NMR)، حيث تعتبر هذه التقنيات مكلفة ماديًا وبطيئة، فباستخدامها تم تحديد 170000 هيكل بروتيني فقط على مدار ستين عامًا. بينما يوجد أكثر من 200 مليون بروتين معروف في جميع أشكال الحياة!


يرتبط شكل البروتين ارتباطًا وثيقًا بوظيفته، والقدرة على التنبوء بهذه البنية تفتح آفاق واسعة لفهم البروتينات ودورها الحيوي، وترتبط العديد من أكبر التحديات التي يواجهها العالم بالبروتينات والدور التي تلعبه مثل تطوير العلاجات للأمراض وإيجاد إنزيمات قادرة على تكسير النفايات الصناعية.


‏وكانت مشكلة "طي البروتين" محورًا للبحث العلمي المكثف لسنوات عديدة طبق فيها العلماء أساليب حسابية للتنبوء ببنية البروتين ولكن لم تكن دقتها قريبة من التقنيات البحثية . فتم تنظيم البطولة العالمية (CASP) والتي يشارك فيها أكثر من 100 مجموعة بحثية حول العالم، وتقام كل سنتين منذ عام 1994 لغرض تطوير أساليب وأداوت للتنبوء ببنية البروتين من تسلسل الأحماض الأمينية.


على مدى 50 عامًا، حاول علماء الكمبيوتر حل مشكلة طي البروتين ولكن دون نجاح يذكر، حتى عام 2021، هذه السنة تغير فيها مستقبل علم الأحياء البينوي والبروتين حين أطلقت شركة DeepMind الذراع البحثية لشركة Google الشبكة العصبية ذات تعلم العميق AlphaFold للتنبوء بهيكل البروتين والتي حلت مشكلة التحدي الكبير البالغ من العمر 50 عامًا المتمثل في طي البروتين، حيث تم تدريب هذه الشبكة على مجموعة ضخمة من البيانات هي تسلسلات وهياكل البروتينات المعروفة.


ويستخدم التعلم العميق الخوارزميات، وهي شبكات عصبية يتم تدريبها على كميات كبيرة من البيانات لاستخراج المعلومات من البيانات الجديدة، حققت هذه الطريقة الحسابية تنبؤًا لهيكل البروتين أعلى من الطرق التجريبية الأكثر تكلفة مثل علم البلورات بالأشعة السينية. حيث بلغت دقتها 92.4، الشكل إدناه يوضح كيف تتطابق هياكل البروتين التي تنبأ بها AlphaFold (الأزرق) والمحددة بالطرق التجريبية (الأخضر)


اليوم، بفضل AlphaFold2، تمكن الباحثين من تحديد البنية ثلاثية الأبعاد للبروتينات من تسلسل الأحماض الأمينية التي يتكون منها البروتين بدون تكلفة في غضون ساعة أو ساعتين. فقبل AlphaFold2 كان علي العلماء بلورة البروتينات وحل الهياكل باستخدام علم البلورات بالأشعة السينية. وهي عملية استغرقت شهورًا وكلفت عشرات الآلاف من الدولارات لكل هيكل. وفي عام 2021 كان عاماً تاريخياً لعلم الأحياء البينوي، حيث أعلن منظمي مسابقة CASP إن مشكلة "طي البروتين" تم حلها، وهي المشكلة التي حاول العلماء حلها، وتم تسمية AlphaFold في مجلة العلمية الطبيعة Method of the year


يعد Alphafold مكسبًا كبيرًا للذكاء الاصطناعي، فهو لم يكتسب مكانة علمية ضخمة فحسب، بل يعتبر تقدمًا علميًا كبيرًا يمكن أن يؤثر على حياة الجميع.

 

المراجع:

٣ مشاهدات٠ تعليق

أحدث منشورات

عرض الكل

Commenti


bottom of page